الجوهرة العشرون بعد الاربعمائة
وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ }
قال ابن الجوزى فى زاد المسير
وجَعَلوا بينه وبين الجِنَّة نَسَباً } فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم قالوا: هو وإِبليس أخَوان، رواه العوفي عن ابن عباس؛ قال الماوردي: وهو قول الزنادقة والذين يقولون: الخير مِنَ الله، والشَّرُّ من إِبليس.
والثاني: أن كفار قريش قالوا: الملائكة بنات الله، والجِنَّة صِنف من الملائكة. يقال لهم: الجِنَّة، قاله مجاهد.
والثالث: أن اليهود قالت: إِن الله تعالى تزوّج إِلى الجن فخرجت من بينهم الملائكة، قاله قتادة، وابن السائب.
فخرج في معنى الجِنَّة قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة.
والثاني: الجن.
فعلى الأول، يكون معنى قوله: { ولقد عَلِمَتِ الجِنَّةُ } أي: عَلِمَت الملائكةُ { إَنهم } أي: إِن هؤلاء المشركين { لَمُحْضَرُونَ } النّار.
وعلى الثاني: [ { ولقد عَلِمت الجِنَّةُ] إنهم } أي: إِن الجن أنفسها " لَمُحْضَرونَ " الحساب.
الجوهرة الواحدة والعشرون بعد الاربعمائة
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } * { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } * { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ }
قال ابو حيان فى بحره المحيط:
والظاهر أن الواو في { وما تعبدون } للعطف، عطفت ما تعبدون على الضمير في إنكم، وأن الضمير في عليه عائد على ما، والمعنى: قل لهم يا محمد: وما تعبدون من الأصنام ما أنتم وهم، وغلب الخطاب. كما تقول: أنت وزيد تخرجان عليه، أي على عبادة معبودكم. { بفاتنين }: أي بحاملين بالفتنة عبادة، إلا من قدر الله في سابق علمه أنه من أهل النار. والضمير في { عليه } عائد على ما على حذف مضاف، كما قلنا، أي على عبادته. وضمن فاتنين معنى: حاملين بالفتنة، ومن مفعولة بفاتنين، فرغ له العامل إذ لم يكن بفاتنين مفعولاً. وقيل: عليه بمعنى: أي ما أنتم بالذي تعبدون بفاتنين، وبه متعلق بفاتنين، المعنى: ما أنتم فاتنين بذلك الذي عبدتموه إلا من سبق عليه القدر أنه يدخل النار. وجعل الزمخشري الضمير في عليه عائداً على الله، قال فإن قلت: كيف يفتنونهم على الله؟ قلت: يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهوائهم من قولك: فتن فلان على فلان امرأته، كما تقول: أفسدها عليه وخيبها عليه.
الجوهرة الثانية والعشرون بعد الاربعمائة
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ }
قال ابن الجوزى فى زاد مسيره
{ كُلَّ له } في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى داوُد، أي: كُلٌّ لداود { أَوَّابٌ } أي: رَجّاعٌ إِلى طاعته وأَمْره، والمعنى: كُلٌّ له مُطِيع بالتسبيح معه، هذا قول الجمهور.
والثاني: [أنها] ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: كُلٌّ مسبِّحٌ لله، قاله السدي.
الجوهرة الثالثة والعشرون بعد الاربعمائة
{ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ }
قال القرطبي
قوله تعالى: { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِظ±لْمَـَلإِ ظ±لأَعْلَىظ° إِذْ يَخْتَصِمُونَ } الملأ الأعلى هم الملائكة في قول ابن عباس والسّدي اختصموا في أمر آدم حين خلق فـ
{ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا }
[البقرة: 30] وقال إبليس: { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } وفي هذا بيان أن محمداً صلى الله عليه وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره، وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلظ°هي؛ فقد قامت المعجزة على صدقه، فما بالهم أعرضوا عن تدبر القرآن ليعرفوا صدقه؛ ولهذا وصل قوله بقوله: { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ }. وقول ثان رواه أبو الأشهب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سألني ربي فقال يا محمد فِيم اختصم الملأ الأعلى قلت في الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السَّبْرَات والتعقيب في المساجد بانتظار الصلاة بعد الصلاة قال وما الدرجات قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام " خرجه الترمذي بمعناه عن ابن عباس، وقال فيه حديث غريب. وعن معاذ بن جبل أيضاً وقال حديث حسن صحيح. وقد كتبناه بكماله في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، وأوضحنا إشكاله والحمد لله. وقد مضى في «يس» القول في المشي إلى المساجد، وأن الخُطَا تكفّر السيئات، وترفع الدرجات.*
وقيل: الملأ الأعلى الملائكة والضمير في «يَخْتَصِمُونَ» لفرقتين. يعني قول من قال منهم الملائكة بنات الله، (ومن قال آلهة تعبد). وقيل: الملأ الأعلى هاهنا قريش؛ يعني اختصامهم فيما بينهم سِرًّا، فأطلع الله نبيه على ذلك
وقال ابن عاشور فى التحرير
والمراد بالنبأ: خبر الحشر وما أُعد فيه للمتقين من حسن مآب، وللطاغين من شر مآب، ومن سوء صحبة بعضهم لبعض، وتراشقهم بالتأنيب والخصام بينهم وهم في العذاب، وترددهم في سبب أن لم يجدوا معهم المؤمنين الذين كانوا يَعدّونهم من الأشرار. ووصف النبأ بــــ { عَظِيمٌ } تهويل على نحو قوله تعالى:
{ عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون }
[النبأ: 1ـــ3]. وعظمة هذا النبأ بين الأنباء من نوعه من أنباء الشر مثل قوله:
{ فساد كبير }
[الأنفال: 73]، فتم الكلام عند قوله تعالى: { أنتم عنه معرضون }.
فتكون جملة { ما كانَ لي مِن علم بالملأ الأعلى } إلى قوله: { نَذِيرٌ مبينٌ } استئنافاً للاستدلال على صدق النبأ بأنه وحي من الله ولولا أنه وحي لما كان للرسول صلى الله عليه وسلم قِبَل بمعرفة هذه الأحوال على حد قوله تعالى:
{ وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون }
[آل عمران: 44]، ونظائر هذا الاستدلال كثيرة في القرآن.
وتكون جملة
{ إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً }
[ ص: 71] إلى آخره استئنافاً ابتدائياً.
وعلى هذا فضمير { يختصمون } عائد إلى أهل النار من قوله:
{ تخاصُمُ أهلِ النارِ }
[ص: 64] إذ لا تخاصم بين أهل الملأ الأعلى. والمعنى: ما كان لي من علم بعالَم الغيب وما يجري فيه من الإِخبار بما سيكون إذ يَختصم أهل النار في النار يوم القيامة.....
الجوهرة الرابعة والعشرون بعد الاربعمائة
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }
قال السمين فى دره
قوله: " مَثَلاً " منصوبٌ على التمييزِ المنقولِ من الفاعليةِ إذ الأصلُ: هل يَسْتَوي مَثَلُهما. وأُفْرد التمييزُ لأنه مقتصرٌ عليه أولاً في قولِه: { ضَرَبَ ظ±للَّهُ مَثَلاً }. وقرِئَ " مِثْلَيْن " فطابَقَ حالَيْ الرجلين. وقال الزمخشري - فيمَنْ قرأ مِثْلين -: " إنَّ الضميرَ في " يَسْتَويان " للمِثْلين؛ لأنَّ التقديرَ: مِثْلَ رجلٍ، ومثلَ رجلٍ.
والمعنى: هل يَسْتويان فيما يَرْجِعُ إلى الوصفيَّة كما تقول: كفى بهما رجلين ".
قال الشيخ: " والظاهرُ أنه يعود الضميرُ في " يَسْتَويان " على " رَجُلَيْن ". وأمَّا إذا جَعَلْتَه/ عائداً إلى المِثْلَيْنِ اللذيْن ذَكَرَ أنَّ التقديرَ: مِثْلَ رجلٍ ومِثْلَ رجلٍ؛ فإنَّ التمييزَ يكون إذ ذاك قد فُهِمَ من المميَّز الذي هو الضميرُ؛ إذ يصيرُ التقدير: هل يَسْتوي المِثْلان مِثْلين ". قلت: هذا لا يَضُرُّ؛ إذ التقديرُ: هل يَسْتوي المِثْلان مِثْلَيْن في الوصفيةِ فالمِثْلان الأوَّلان مَعْهودان، والثانيان جنسان مُبْهمان كما تقول: كَفَى بهما رجلَيْن؛ فإنَّ الضميرَ في " بهما " عائدٌ على ما يُراد بالرجلين فلا فَرْقَ بين المسألتين. فما كان جواباً عن " كفَى بهما رجلين " يكونُ جواباً له
وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ }
قال ابن الجوزى فى زاد المسير
وجَعَلوا بينه وبين الجِنَّة نَسَباً } فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم قالوا: هو وإِبليس أخَوان، رواه العوفي عن ابن عباس؛ قال الماوردي: وهو قول الزنادقة والذين يقولون: الخير مِنَ الله، والشَّرُّ من إِبليس.
والثاني: أن كفار قريش قالوا: الملائكة بنات الله، والجِنَّة صِنف من الملائكة. يقال لهم: الجِنَّة، قاله مجاهد.
والثالث: أن اليهود قالت: إِن الله تعالى تزوّج إِلى الجن فخرجت من بينهم الملائكة، قاله قتادة، وابن السائب.
فخرج في معنى الجِنَّة قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة.
والثاني: الجن.
فعلى الأول، يكون معنى قوله: { ولقد عَلِمَتِ الجِنَّةُ } أي: عَلِمَت الملائكةُ { إَنهم } أي: إِن هؤلاء المشركين { لَمُحْضَرُونَ } النّار.
وعلى الثاني: [ { ولقد عَلِمت الجِنَّةُ] إنهم } أي: إِن الجن أنفسها " لَمُحْضَرونَ " الحساب.
الجوهرة الواحدة والعشرون بعد الاربعمائة
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } * { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } * { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ }
قال ابو حيان فى بحره المحيط:
والظاهر أن الواو في { وما تعبدون } للعطف، عطفت ما تعبدون على الضمير في إنكم، وأن الضمير في عليه عائد على ما، والمعنى: قل لهم يا محمد: وما تعبدون من الأصنام ما أنتم وهم، وغلب الخطاب. كما تقول: أنت وزيد تخرجان عليه، أي على عبادة معبودكم. { بفاتنين }: أي بحاملين بالفتنة عبادة، إلا من قدر الله في سابق علمه أنه من أهل النار. والضمير في { عليه } عائد على ما على حذف مضاف، كما قلنا، أي على عبادته. وضمن فاتنين معنى: حاملين بالفتنة، ومن مفعولة بفاتنين، فرغ له العامل إذ لم يكن بفاتنين مفعولاً. وقيل: عليه بمعنى: أي ما أنتم بالذي تعبدون بفاتنين، وبه متعلق بفاتنين، المعنى: ما أنتم فاتنين بذلك الذي عبدتموه إلا من سبق عليه القدر أنه يدخل النار. وجعل الزمخشري الضمير في عليه عائداً على الله، قال فإن قلت: كيف يفتنونهم على الله؟ قلت: يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهوائهم من قولك: فتن فلان على فلان امرأته، كما تقول: أفسدها عليه وخيبها عليه.
الجوهرة الثانية والعشرون بعد الاربعمائة
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ }
قال ابن الجوزى فى زاد مسيره
{ كُلَّ له } في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى داوُد، أي: كُلٌّ لداود { أَوَّابٌ } أي: رَجّاعٌ إِلى طاعته وأَمْره، والمعنى: كُلٌّ له مُطِيع بالتسبيح معه، هذا قول الجمهور.
والثاني: [أنها] ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: كُلٌّ مسبِّحٌ لله، قاله السدي.
الجوهرة الثالثة والعشرون بعد الاربعمائة
{ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ }
قال القرطبي
قوله تعالى: { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِظ±لْمَـَلإِ ظ±لأَعْلَىظ° إِذْ يَخْتَصِمُونَ } الملأ الأعلى هم الملائكة في قول ابن عباس والسّدي اختصموا في أمر آدم حين خلق فـ
{ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا }
[البقرة: 30] وقال إبليس: { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } وفي هذا بيان أن محمداً صلى الله عليه وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره، وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلظ°هي؛ فقد قامت المعجزة على صدقه، فما بالهم أعرضوا عن تدبر القرآن ليعرفوا صدقه؛ ولهذا وصل قوله بقوله: { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ }. وقول ثان رواه أبو الأشهب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سألني ربي فقال يا محمد فِيم اختصم الملأ الأعلى قلت في الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السَّبْرَات والتعقيب في المساجد بانتظار الصلاة بعد الصلاة قال وما الدرجات قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام " خرجه الترمذي بمعناه عن ابن عباس، وقال فيه حديث غريب. وعن معاذ بن جبل أيضاً وقال حديث حسن صحيح. وقد كتبناه بكماله في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، وأوضحنا إشكاله والحمد لله. وقد مضى في «يس» القول في المشي إلى المساجد، وأن الخُطَا تكفّر السيئات، وترفع الدرجات.*
وقيل: الملأ الأعلى الملائكة والضمير في «يَخْتَصِمُونَ» لفرقتين. يعني قول من قال منهم الملائكة بنات الله، (ومن قال آلهة تعبد). وقيل: الملأ الأعلى هاهنا قريش؛ يعني اختصامهم فيما بينهم سِرًّا، فأطلع الله نبيه على ذلك
وقال ابن عاشور فى التحرير
والمراد بالنبأ: خبر الحشر وما أُعد فيه للمتقين من حسن مآب، وللطاغين من شر مآب، ومن سوء صحبة بعضهم لبعض، وتراشقهم بالتأنيب والخصام بينهم وهم في العذاب، وترددهم في سبب أن لم يجدوا معهم المؤمنين الذين كانوا يَعدّونهم من الأشرار. ووصف النبأ بــــ { عَظِيمٌ } تهويل على نحو قوله تعالى:
{ عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون }
[النبأ: 1ـــ3]. وعظمة هذا النبأ بين الأنباء من نوعه من أنباء الشر مثل قوله:
{ فساد كبير }
[الأنفال: 73]، فتم الكلام عند قوله تعالى: { أنتم عنه معرضون }.
فتكون جملة { ما كانَ لي مِن علم بالملأ الأعلى } إلى قوله: { نَذِيرٌ مبينٌ } استئنافاً للاستدلال على صدق النبأ بأنه وحي من الله ولولا أنه وحي لما كان للرسول صلى الله عليه وسلم قِبَل بمعرفة هذه الأحوال على حد قوله تعالى:
{ وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون }
[آل عمران: 44]، ونظائر هذا الاستدلال كثيرة في القرآن.
وتكون جملة
{ إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً }
[ ص: 71] إلى آخره استئنافاً ابتدائياً.
وعلى هذا فضمير { يختصمون } عائد إلى أهل النار من قوله:
{ تخاصُمُ أهلِ النارِ }
[ص: 64] إذ لا تخاصم بين أهل الملأ الأعلى. والمعنى: ما كان لي من علم بعالَم الغيب وما يجري فيه من الإِخبار بما سيكون إذ يَختصم أهل النار في النار يوم القيامة.....
الجوهرة الرابعة والعشرون بعد الاربعمائة
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }
قال السمين فى دره
قوله: " مَثَلاً " منصوبٌ على التمييزِ المنقولِ من الفاعليةِ إذ الأصلُ: هل يَسْتَوي مَثَلُهما. وأُفْرد التمييزُ لأنه مقتصرٌ عليه أولاً في قولِه: { ضَرَبَ ظ±للَّهُ مَثَلاً }. وقرِئَ " مِثْلَيْن " فطابَقَ حالَيْ الرجلين. وقال الزمخشري - فيمَنْ قرأ مِثْلين -: " إنَّ الضميرَ في " يَسْتَويان " للمِثْلين؛ لأنَّ التقديرَ: مِثْلَ رجلٍ، ومثلَ رجلٍ.
والمعنى: هل يَسْتويان فيما يَرْجِعُ إلى الوصفيَّة كما تقول: كفى بهما رجلين ".
قال الشيخ: " والظاهرُ أنه يعود الضميرُ في " يَسْتَويان " على " رَجُلَيْن ". وأمَّا إذا جَعَلْتَه/ عائداً إلى المِثْلَيْنِ اللذيْن ذَكَرَ أنَّ التقديرَ: مِثْلَ رجلٍ ومِثْلَ رجلٍ؛ فإنَّ التمييزَ يكون إذ ذاك قد فُهِمَ من المميَّز الذي هو الضميرُ؛ إذ يصيرُ التقدير: هل يَسْتوي المِثْلان مِثْلين ". قلت: هذا لا يَضُرُّ؛ إذ التقديرُ: هل يَسْتوي المِثْلان مِثْلَيْن في الوصفيةِ فالمِثْلان الأوَّلان مَعْهودان، والثانيان جنسان مُبْهمان كما تقول: كَفَى بهما رجلَيْن؛ فإنَّ الضميرَ في " بهما " عائدٌ على ما يُراد بالرجلين فلا فَرْقَ بين المسألتين. فما كان جواباً عن " كفَى بهما رجلين " يكونُ جواباً له
الجوهرة الخامسة والعشرون بعد الاربعمائة
{ وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَقِيلَ احَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اللْعَالَمِينَ }
قال السمين في دره
والضميرُ في " بينهم " إمَّا للملائكةِ، وإمَّا للعبادِ
الجوهرة السادسة والعشرون بعد الاربعمائة
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ اللْفَسَادَ }
قال السمين فى دره
وقرأ نافعٌ وأبو عمروٍ وحفصٌ " يُظْهِرَ " بضم الياءِ وكسرِ الهاء مِنْ أَظْهر، وفاعلُه ضميرُ موسى عليه السلام، " الفسادَ " نصباً على المفعول به. والباقون بفتح الياء والهاء مِنْ ظهر، " الفسادُ " رفعاً بالفاعلية وزيدُ بن علي " يُظْهَرَ " مبنياً للمفعول، " الفسادُ " مرفوعٌ لقيامِه مقامَ الفاعل. ومجاهد " يَظَّهَّرَ " بتشديد الظاء والهاء، وأصلها يَتَظَهَّر مِنْ تَظَهَّر بتشديد الهاء فأدغم التاء في الظاء. و " الفسادُ " رفعٌ على الفاعلية. وفتح ابن كثير ياءَ { ذَرُونِيَ أَقْتُلْ مُوسَى } وسَكَّنها الباقون
الجوهرة السابعة والعشرون بعد الاربعمائة
{ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }
قال الرازي
واعلم أن الضمير في قوله { فَرِحُواْ } يحتمل أن يكون عائداً إلى الكفار، وأن يكون عائداً إلى الرسل، أما إذا قلنا إنه عائد إلى الكفار، فذلك العلم الذي فرحوا به أي علم كان؟ وفيه وجوه الأول: أن يكون المراد الأشياء التي كانوا يسمونها بالعلم، وهي الشبهات التي حكاها الله عنهم في القرآن كقولهم
{ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ }
[الجاثية: 24] وقولهم
{ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا }
[الأنعام: 148] وقولهم
{ مَن يُحىِ الْعِظَـظ°مَ وَهِىَ رَمِيمٌ }
[يس: 78]،
{ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبّى لأَجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً }
[الكهف: 36] وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء، كما قال:
{ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }
[المؤمنون: 53]، الثاني: يجوز أن يكون المراد علوم الفلاسفة، فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علومهم، وعن سقراط أنه سمع بمجيء بعض الأنبياء فقيل له لو هاجرت فقال نحن قوم مهديون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا الثالث: يجوز أن يكون المراد علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال تعالى:
{ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَوة الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الأَخِرَةِ هُمْ غَـافِلُونَ }
[الروم: 7]،
{ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مّنَ الْعِلْمِ }
[النجم: 30] فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات وهي معرفة الله تعالى ومعرفة المعاد وتطهير النفس عن الرذائل لم يلتفتوا إليها واستهزؤا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به.*
أما إذا قلنا الضمير عائد إلى الأنبياء ففيه وجهان الأول: أن يجعل الفرح للرسل، ومعناه أن الرسل لما رأوا من قومهم جهلاً كاملاً، وإعراضاً عن الحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم وإعراضهم، فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه، وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم الثاني: أن يكون المراد فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به، كأنه قال استهزؤا بالبينات، وبما جاؤا به من علم الوحي فرحين، ويدل عليه قوله تعالى: { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ }.
وقال ابن الجوزى فى زاد مسيره
قوله تعالى: { فرٍحوا بما عندهم من العِلْم } في المشار إليهم قولان:
أحدهما: [أنهم] الأُمم المكذِّبة، قاله الجمهور؛ ثم في معنى الكلام قولان.
أحدهما: أنهم قالوا: نحن أعلم منهم لن نُْعَثُ ولن نُحَاسَبَ، قاله مجاهد.
والثاني: فرحوا بما كان عندهم أنه عِلْم، قاله السدي.
والقول الثاني: أنهم الرُّسل؛ والمعنى: فرح الرُّسل لمّا هلك المكذِّبون ونَجَوْا بما عندهم من العِلْم بالله إذ جاء تصديقُه، حكاه أبو سليمان وغيره.
الجوهرة الثامنة والعشرون بعد الاربعمائة
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
قال القرطبي
{ وَمَا يُلَقَّاهَا } يعني هذه الفَعلة الكريمة والخصلة الشريفة { إِلاَّ ظ±لَّذِينَ صَبَرُواْ } بكظم الغيظ واحتمال الأذى. { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي نصيب وافر من الخير؛ قاله ابن عباس. وقال قتادة ومجاهد: الحظ العظيم الجنة. قال الحسن: والله ما عظم حظ قط دون الجنة. وقيل: الكناية في «يُلَقَّاهَا» عن الجنة؛ أي ما يلقاها إلا الصابرون؛ والمعنى متقارب.
الجوهرة التاسعة والعشرون بعد الاربعمائة
{ وَمِنْ آيَاتِهِ الَّيلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
قال السمين فى الدر
قوله: { خَلَقَهُنَّ }: في هذا الضميرِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها:/ أنه يعودُ على الأربعةِ المتعاطفةِ. وفي مجيءِ الضميرِ كضميرِ الإِناثِ - كما قال الزمخشري - هو أنَّ جَمْعَ ما لا يَعْقِلُ حكمُه حكمُ الأنثى أو الإِناث نحو: " الأقلامُ بَرَيْتُها وبَرَيْتُهنَّ ". وناقشه الشيخ من حيث إنه لم يُفَرِّقْ بين جمعِ القلةِ والكثرةِ في ذلك؛ لأنَّ الأفصحَ في جمعِ القلةِ أَنْ يُعامَلَ معاملةَ الإِناثِ، وفي جمع الكثرةِ أَنْ يُعامَلَ معاملةَ الأنثى فالأفْصحُ أَنْ يُقال: الأجذاعُ كَسَرْتُهُنَّ، والجذوعُ كَسَرْتُها. والذي تقدَّمَ في هذه الآيةِ ليس بجمعِ قلةٍ أعني بلفظٍ واحدٍ، ولكنه ذكر أربعةً متعاطفةً فتنزَّلَتْ منزلَة الجمعِ المعبَّرِ به عنها بلفظٍ واحد. قلت: والزمخشري ليس في مقام بيانِ الفصيح والأفصح، بل في مقامِ كيفيةِ مجيء الضميرِ ضميرَ إناث بعد تقدُّم ثلاثةِ أشياءَ مذكَّراتٍ وواحدٍ مؤنثٍ، فالقاعدةُ تغليبُ المذكرِ على المؤنثِ، أو لمَّا قال: " ومِنْ آياته " كُنَّ في معنى الآياتِ فقيل: خلقهنَّ، ذكره الزمخشريُّ أيضاً أنه يعود على لفظ الآياتِ.
الثالث: أنه يعودُ على الشمس والقمر؛ لأنَّ الاثنين جمعٌ، والجمعُ مؤنثٌ، ولقولهم: شموس وأقمار
[size=18]الجوهرة الثلاثون بعد الاربعمائة
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـظ°ئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }
قال السمين فى دره:
وقرأ ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وجماعة " عَمٍ " بكسرِها منونةً اسماً منقوصاً وُصِفَ بذلك مجازاً. وقرأ عمرو بن دينار ورُوِيت عن ابن عباس " عَمِيَ " بكسر الميم وفتح الياء فعلاً ماضياً. وفي الضمير وجهان أظهرُهما: أنه للقرآن. والثاني: أنه للوَقْر والمعنى يأباه،
وقال ابن عاشور
وضمير { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } يتبادر أنه عائد إلى الذِّكر أو الكتاب كما عاد ضمير { هو } { لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى }. والعَمى: عدم البصر، وهو مستعار هنا لضد الاهتداء فمقابلته بالهدى فيها محسِّن الطِّباق.
والإِسناد إلى القرآن على هذا الوجه في معاد الضمير بأنه عليهم عمًى من الإِسناد المجازي لأن عنادهم في قبوله كان سبباً لضلالهم فكان القرآن سَبَبَ سببٍ، كقوله تعالى:
{ وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم }
[التوبة: 125].
ويجوز أن يكون ضمير { وَهُوَ } ضميرَ شأن تنبيهاً على فظاعة ضلالهم. وجملة { عَلَيهم عَمًى } خبر ضميرَ الشأن، أي وأعظم من الوقر أن عليهم عمى، أي على أبصارهم عمى كقوله:
{ وعلى أبصارهم غشاوة }
[البقرة: 7]...
الجوهرة الواحدة والثلاثون بعد الاربعمائة
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُواْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ }
قال ابو حيان في بحره
والظاهر أن الضمير في قالوا عائد على المنادين، لأنهم المحدث معهم. { ما منا } أحد اليوم، وقد أبصرنا وسمعنا. يشهد أن لك شريكاً، بل نحن موحدون لك، وما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم، لا يبصرونها في ساعة التوبيخ. وقيل: الضمير في قالوا عائد على الشركاء، أي قالت الشركاء: { ما منا من شهيد } بما أضافوا إلينا من الشرك، وآذناك معلق لأنه بمعنى الإعلام.
الجوهرة الثانية والثلاثون بعد الاربعمائة
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
قال الالوسي
حَتَّى يَتَبَيَّنَ } يظهر { لَهُمْ أَنَّهُ } أي القرآن هو { ظ±لْحَقُّ } الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو الحق كله من عند الله تعالى المطلع على كل غيب وشهادة فلهذا نصر حاملوه وكانوا محقين. وفي التعريف من الفخامة ما لا يخفى جلالة وقدراً. وفيما ذكر إشارة إلى أنه تعالى لا يزال ينشيء فتحاً بعد فتح وآية غب آية إلى أن يظهر على الدين كله ولو كره المشركون فانظر إلى هذه الآية الجامعة كيف دلت على حقية القرآن على وجه تضمن حقية أهله ونصرتهم على المخالفين وأعظم بذاك تسلياً عما أشعرت به الآية السابقة من انهماكهم في الباطل إلى حد يقرب من اليأس. وقيل: الضمير للرسول عليه الصلاة والسلام أو الدين أو التوحيد ولعل الأول أولى.
الجوهرة الثالثة والثلاثون بعد الاربعمائة
تَكَادُ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَظ±لْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ظ±لأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْغَفُورُ ظ±لرَّحِيمُ }
قال ابن عاشور
وقوله: { من فوقهن } يجوز أن يكون ضمير { فوقهن } عائداً على { السماوات } ، فيكون المجرور متعلقاً بفعل { يتفطرن } بمعنى: أن انشقاقهن يحصل من أعلاهنّ، وذلك أبلغ الانشقاق لأنه إذا انشقّ أعلاهن كان انشقاق ما دونه أولى، كما قيل في قوله تعالى:
{ وهي خاوية على عروشها }
كما تقدم في سورة البقرة (259) وفي سورة الحج (45). وتكون { من } ابتدائيّة.
ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى { الأرض } من قوله تعالى:
{ وما في الأرض }
[الشورى: 4] على تأويل الأرض بأرضين باعتبار أجزاء الكرة الأرضية أو بتأويل الأرض بسكانها من باب
{ واسْأل القرية }
[يوسف: 82].....
وقال الالوسي
وقيل: الضمير للأرض أي لجنسها فيشمل السبع ولذا جمع الضمير وهو خلاف الظاهر، وقال علي بن سليمان الأخفش: الضمير للكفار والمراد من فوق الفرق والجماعات الملحدة، وبهذا الاعتبار أنث الضمير، وفي ذلك إشارة إلى أن التفطر من أجل أقوال هاتيك الجماعات، وفيه ما فيه.
الجوهرة الرابعة والثلاثون بعد الاربعمائة
{ فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
قال القرطبي
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي يخلقكم وينشئكم «فِيهِ» أي في الرحم. وقيل: في البطن. وقال الفرّاء وابن كيسان: «فيه» بمعنى به. وكذلك قال الزجاج: معنى «يَذْرَوُكُمْ فِيهِ» يكثركم به؛ أي يكثركم يجعلكم أزواجاً، أي حلائل؛ لأنهن سبب النسل. وقيل: إن الهاء في «فِيهِ» للجعل، ودلّ عليه «جَعَلَ»؛ فكأنه قال: يخلقكم ويكثركم في الجعل. ظ±بن قتيبة: «يَذْرَوُكُمْ فِيهِ» أي في الزوج؛ أي يخلقكم في بطون الإناث. وقال: ويكون «فِيهِ» في الرحم، وفيه بُعْدٌ؛ لأن الرحم مؤنثة ولم يتقدّم لها ذكر
وقال السمين
قوله: " يَذْرَؤُكُمْ فيه " يجوزُ أَنْ تكونَ " في " على بابِها. والمعنى: يُكَثِّرُكُمْ في هذا التدبير، وهو أنْ جَعَلَ للناسِ والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذُكورِهم وإناثِهم التوالُدُ. والضميرُ في " يَذرَؤُكم " للمخاطبين والأنعامِ. وغَلَّب العُقلاءَ على غيرِهم الغُيَّبِ. قال الزمخشري: " وهي/ من الأحكامِ ذاتِ العلَّتَيْن ". قال الشيخ: " وهو اصطلاحٌ غريبٌ، ويعني: أنَّ الخطابَ يُغَلَّبُ على الغَيْبة إذا اجتمعا ". ثم قال الزمخشريُّ: " فإنْ قلت: ما معنى يَذْرَؤُكم في هذا التدبيرِ؟ وهلا قيل يَذْرَؤُكم به. قلت: جُعِل هذا التدبيرُ كالمَنْبَع والمَعدِنِ للبَثِّ والتكثيرِ. ألا تَراك تقول: للحَيَوان في خلق الأزواج تكثير، كما قال تعالى:
{ وَلَكُمْ فِي ظ±لْقِصَاصِ حَيَاةٌ }
[البقرة: 179]. والثاني: أنها للسببية كالباء أي: يُكَثِّرُكم بسبِبه. والضميرُ يعودُ للجَعْلِ أو للمخلوقِ ".
الجوهرة الخامسة والثلاثون بعد الاربعمائة
وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }
قال السمين
. والهاءُ في " له " تعودُ على الله أو على الرسول عليه السلام أي: مِنْ بعدِ ما استجاب الناسُ لله تعالى، أو مِنْ بعدِما استجاب اللَّهُ لرسولِه حين دعا على قومِه.
الجوهرة السادسة والثلاثون بعد الاربعمائة
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }
قال السمين
قوله: { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ }: يجوزُ أَنْ يكونَ الموصولُ فاعلاً أي: يُجيبون ربَّهم إذا دعاهُمْ كقولِه:
{ ظ±سْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم }
[الأنفال: 24]. واستجابَ كأَجاب. ومنه:
3973 ـ وداعٍ دَاع يا مَنْ يُجيب إلى النَّدى فلم يَسْتَجِبْه عند ذاكَ مُجيبُ
ويجوزُ أَنْ تكونَ السينُ للطلب على بابِها بمعنى: ويُسْتَدْعَى المؤمنون للإِجابة عن ربِّهم بالأعمالِ الصالحة. ويجوزُ أَنْ يكونَ الموصولُ مفعولاً به، والفاعلُ مضمرٌ يعودُ على الله بمعنى: ويُجيب اللَّهُ الذين آمنوا أي: دعاهم. وقيل: ثَمَّ لامٌ مقدرةٌ أي: ويَسْتجيب الله للذين آمنوا فَحَذَفها للعِلْم بها.
الجوهرة السابعة والثلاثون بعد الاربعمائة
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
قال السمين
قوله: { وَجَعَلَهَا }: الضميرُ المرفوعُ لإِبراهيمَ عليه السلام - وهو الظاهرُ - أو لله. والمنصوبُ لكلمة التوحيد المفهومةِ مِنْ قولِه: " إنني بَراءٌ " إلى آخره، أو لأنَّها بمنزلةِ الكلمة، فعاد الضمير على ذلك اللفظِ لأجل المَعْنِيِّ به.
وقرئ " في عَقْبِه " بسكون القافِ. وقُرِئ " في عاقِبه " أي: وارِثه. وحميد بن قيس " كلمة " بكسر الكاف وسكون اللام.
الجوهرة الثامنة والثلاثون بعد الاربعمائة
وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }
قال السمين فى دره
قوله: { وَلَن يَنفَعَكُمُ }: في فاعلِه قولان،
أحدهما: أنه ملفوظٌ به، وهو " أنَّكم " وما في حَيِّزِها. التقدير: ولن يَنْفَعَكم اشتراكُكم في العذاب بالتأسِّي، كما يَنْفَعُ الاشتراكُ في مصائب الدنيا فيتأسَّى المُصاب بمثلِه. ومنه قولُ الخنساء:
3996 ـ ولولا كَثْرَةُ الباكِيْنَ حَوْلي على إخوانِهم لقَتَلْتُ نَفْسي
وما يَبْكُون مثلَ أخي ولكنْ أُعَزِّي النفسَ عنه بالتأسِّي
والثاني: أنّه مضمرٌ. فقدَّره بعضُهم ضميرَ التمنِّي المدلولَ عليه بقوله: { يظ°لَيْتَ بَيْنِي } أي: لن يَنْفَعكم تَمَنِّيْكم البُعْدَ. وبعضُهم: لن ينفَعَكم اجتماعُكم. وبعضُهم: ظُلْمُكم وجَحْدُكم. وعبارةُ مَنْ عَبَّر بأنَّ الفاعلَ محذوفٌ مقصودُه الإِضمارُ المذكورُ لا الحذفُ؛ إذ الفاعلُ لا يُحْذَفُ إلاَّ في مواضعَ ليس هذا منها،*
وعلى هذا الوجهِ يكونُ قوله: " أنَّكم " تعليلاً أي: لأنَّكم، فحذفَ الخافضَ فجرى في مَحَلِّها الخلافُ: أهو نصبٌ أم جرٌّ؟ ويؤيِّد إضمارَ الفاعلِ، لا أنَّه هو " أنَّكم " ، قراءةُ " إنكم " بالكسرِ فإنَّه/ استئنافٌ مفيدٌ للتعليلِ..
الجوهرة التاسعة والثلاثون بعد الاربعمائة
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ اسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }
قال السمين فى دره
والضميرُ في " مَحْياهم ومماتُهم " يجوزُ أَنْ يعودَ على القَبِيْلَيْنِ بمعنى: أنَّ مَحْيا المؤمنين ومماتَهم سواءٌ عند الله في الكرامةِ، ومَحْيا المجترحين ومماتَهم سواءٌ في الإِهانةِ عنده، فَلَفَّ الكلام اتِّكالاً على ذِهْنِ السَّامع وفهمِه. ويجوزُ أَنْ يعودَ على المُجْترحين فقط. أَخْبَرَ أَنَّ حالَهم في الزمانَيْن سواءٌ.
الجوهرة الاربعون بعد الاربعمائة
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قال الرازي
قال تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْهُ } ذكر المبرّد في الضمير في رأوه قولين أحدهما: أنه عائد إلى غير مذكور وبينه قوله { عَارِضاً } كما قال:
{ مَا تَرَكَ عَلَىظ° ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ }
[فاطر: 45] ولم يذكر الأرض لكونها معلومة فكذا هظ°هنا الضمير عائد إلى السحاب، كأنه قيل: فلما رأوا السحاب عارضاً وهذا اختيار الزجاج ويكون من باب الإضمار لا على شريطة التفسير والقول الثاني: أن يكون الضمير عائداً إلى ما في قوله { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } أي فلما رأوا ما يوعدون به عارضاً، قال أبو زيد العارض السحابة التي ترى في ناحية السماء ثم تطبق
الجوهرة الواحدة والاربعون بعد الاربعمائة
{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ }
قال السمين
قوله: " فلَمَّا حَضَرُوْه " يجوزُ أَنْ تكونَ الهاءُ للقرآنِ، وهو الظاهرُ، وأَنْ تكونَ للرسولِ عليه السلام، وحينئذٍ يكونُ في الكلام التفاتٌ مِنْ قولِه: " إليك " إلى الغَيْبَةِ في قولِه: " حَضَرُوه ".
قوله: " قُضِي " العامَّةُ على بنائِه للمفعولِ أي: فَرَغَ [مِنْ] قراءةِ القرآنِ، وهو يُؤَيِّدُ عَوْدَ هاء " حَضَروه " على القرآن. وأبو مجلز. وحبيب بن عبد الله " قَضَى " مبنياً للفاعلِ أي: أتَمَّ الرسولُ قراءتَه، وهي تؤيِّدُ عَوْدَها على الرسولِ عليه السلام[/size]